محمية الحسوة ثروة طبيعية في واجهة الإهمال

معاذ مدهش:

نشأة المحمية وموقعها
تعد محمية “الحسوة”، الساحلية في محافظة عدن، واحدة من أحدث المحميات الطبيعية في اليمن، والتي جرى إعلانها في محافظة عدن مطلع عام 2006، حيث أسست اللجنة التحضيرية لمحمية الحسوة في يونيو 2006، وأشهرت رسمياً في 12 ابريل 2007.

تقع محمية الحسوة الطبيعية في الفيض النهائي للسيول الموسمية أي أنّها تقع في نهاية مصب الوادي الكبير ونظراً لوجود غطاء نباتي كثيف فيها أسهم ذلك في حجز مخلفات السيول ومخلفات المياه العادمة المعالجة بين جذوع الأشجار وبالتالي تقليل الإضرار على الشُعاب المرجانية.

وتطل محمية الحسوة جنوباً على خليج عدن وشمالاً على منطقة المنصورة وشرقاً على كالتكس وغرباً على المحطة الكهروحرارية وتتبع إدارياً مديرية البريقة.

محمية الحسوة هي جزء من سلسلة الأراضي الرطبة الممتدة من بحيرات عدن والملاح خور مكسر شرقاً حتى بئر أحمد في البريقة غرباً، وهي أراض رطبة (اصطناعية ) ناتجه عن تصريف مياه الصرف الصحي المعالجة في محطة (كابوتا) بكمية تصل إلى 20 ألف متر مكعب يومياً.

حيث تقدر مساحة المحمية بـ(185) هكتارا تشكل مساحات خضراء واسعة نسبياً، وهي جزء من مشروع الحزام الأخضر حول عدن حيث تسهم في تلطيف المناخ المحلي خاصة في فصل الصيف، وتحد من العواصف الرملية الموسمية المعروفة باسم (الغوبة)

دورها البيئي والسياحي
كانت المحمية في الماضي واجهة سياحية ومتنفسا للزوار والسكان، يحيط بها سياج من أغصان الأشجار وسعف النخيل، وفيها ممرات وطرق داخلية منظمة، وعمال نظافة، وفرق توعية يعملون على خدمة الزوار، وكانت تعد وأحده من أجمل مناطق الجذب السياحي في عدن وأشهرها، وتستقبل أكثر من 50 ألف زائر سنويا، وتشكل موئلا للطيور المهاجرة والمستوطنة والكائنات الحية المهددة بالانقراض.

منها:
طائر النورس أبيض العين وملك العقبان وأبو المغزل وأبو ملعقة والنحّام أو كما يعرف بطائر الفلامينجو .. ومن بين الطيور المهاجرة أيضا طائر شاهين الذي يقدر ثمنه بأكثر من عشرين مليون ريال.

وفي إحصائية أخرى، فإن عدد الطيور المهاجرة التي تتكاثر في المحمية أكثر من 100 نوع منها طائر  الكرسوع والطيطوي وبلشون البقر و النخام الكبير، و أنواع أخرى عديدة، منها 3 أنواع مهددة بالإنقراض.

الاعتراف الدولي

وفي أوج نشاطها مطلع 2014، نالت محمية الحسوة ضمن 26 موقعا على مستوى العالم جائزة “خط الاستواء” من الأمم المتحدة، والتي تكرم أصحاب الجهود المبذولة لحماية التنوع الحيوي وتعزيز السياحة المراعية للبيئة.

وقالت لجنة الجائزة في حينه إنّه تم “تحويل مكب النفايات إلى نظام بيئي فعّال للأراضي الرطبة يوفّر موقعًا لتكاثر أكثر من 100 نوع من الطيور المهاجرة”.

وكانت هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في اليمن. وتمكنت من إيجاد فرص عمل في المجتمع المحلي، وبلغت الإيرادات منها 96 ألف دولار في عام واحد.

الحياة داخل المحمية قبل الحرب

لنفترض أنك زرت محمية الحسوة في المدة بين 2006 وبداية  2014.  لن يكون طريقك بعيدًا، ستركن سيارتك في موقف ضمن مواقف كثيرة أنشئت لذات الغرض، ستقف أمام المدخل الرئيس للمحمية، وهناك ستستوقفك لافتة ارشادية متوسطة الحجم، كتب عليها “يمنع التعرض للنباتات والحيوانات بالأذى، يمنع رمي المخلفات وأعقاب السجائر، يمنع إدخال الشيشة، الإرجيلة”

(اللافتة الإرشادية ذاتها لم تنجُ من حريق طال المحمية في أواخر 2014 سنتعرف إليه لاحقًا).

ستقف أمام فهرس مصور يحوي عددًا من الطيور، التي تتميز بها المحمية عن سواها. ثم ستسأل نفسك من أي ممر أدخل؟ لا بأس كل الممرات تؤدي إليها، وكلها بساط أخضر، ستشدك الورود المحيطة بالممرات، وكلما دخلت سترتبك أكثر، ستكثر الخيارات أمامك، على سبيل المثال، ما اسم هذه الشجرة ستنظر إليها، وفي لحظات ستجد الإجابة، فهناك أكثر من مرشد في المحمية.

في تجوالك ستجد ملاعب للأطفال، مصنوعة من جذوع النخل. وسترى مشتلًا هنا وآخر هناك.
وحين تسأل عن الرجل الذي يعتلي شجرة نخيل “البهش” ستعرف أنه يستخرج عصارة “الطاري” الذي يصبح خلًا بعد 40 يومًا من استخراجه وهو واحد من موارد محمية الحسوة.

برج المراقبة والمشهد البانورامي
في قلب المحمية سيتراءى أمامك برجًا شُيد خصيصًا لمراقبة الطيور وهي تتخذ من مواقعها ملاذًا آمنًا للغذاء والراحة، ومن على البرج سترى لوحة شاسعة من المرج الأخضر، تحلق فوقه أسراب من الطيور متعددة الألوان والأحجام.

ومن على البرج ستفاجأ بمنظر آسر، فأمامك بحر، يعتليه جبل شمسان، وخلفك مدينة صاخبة حيث هي، وتحت البرج جنة مشيدة بإتقان من حين موقعها وما تحويه من جماليات طبيعية.

واقع المحمية بعد الحرب

أما الآن فلنعش واقع المحمية بعد حرب 2015 بعيدًا عن الافتراض السابق. حيث توقف نشاط المحمية كليًا وتراجع عدد الزوار، وأيضاً تعرض معرض الصور التعريفية والثقافية من مبنى البرج للنّهب والتخريب من قبل مجهولين،  وتحوّل جزء من أراضي المحمية إلى مكب للنفايات، وأكوام كبيرة من مخلفات البناء الإسمنتية دون مراعاة لطبيعة المحمية وخطر تلك المواد على أشكال الحياة في المحمية.

وقبل ذلك ستستقبلك رائحة الصرف الصحي،  حيث لم يبق سوى لوحة تعريفية باهتة الألوان تلاشت حروفها ومبنى تذاكر مهجور، ووراء المدخل، تنتشر كلاب شاردة ينبغي تجنبها، ومستنقعات تفوح منها روائح كريهة لا تطاق.

فقد تحوّلت تلك الطبيعة الخلابة التي كانت مقصدا للسياحة والترفيه إلى بقعه مهجورة يقصدها القتلة للتخلص من جثث قتلاهم ومكان كئيب تفوح منه رائحة الصرف الصحي وتحوم فوقه الغربان.

علامات الإهمال  والتدهور

وأول ما يلفت انتباهك في المحمية، مستنقعات مائية دائمة التدفق، تفوح منها رائحة مجاري الصرف الصحي، وبرك آسنة تتكدس فوقها الحشرات، إلى جانب أغصان أشجار مقطوعة، ومخلفات من النفايات ومواد البناء التي تنتشر في أرجاء المكان.

وتبدو المحمية اليوم، وقد فقدت الكثير من ملامحها السابقة وضرب الإهمال أجزاء كبيرة من مساحاتها الخضراء وحدائقها الجميلة، وتناقص عدد الطيور والحيوانات فيها، وأصبحت تصنف ضمن أشهر الأماكن المهجورة في مدينة عدن.

الصورة متداولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى